انتخابات تونس- تراجع شعبية سعيد وبداية حراك المعارضة الواعد.

المؤلف: جمال الطاهر10.07.2025
انتخابات تونس- تراجع شعبية سعيد وبداية حراك المعارضة الواعد.

يتوجه التونسيون اليوم، الأحد السادس من أكتوبر، إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية الثالثة منذ ثورة الياسمين التي بشرت بالحرية والكرامة في عام 2011. يتنافس ثلاثة مرشحين على منصب الرئاسة، وهم قيس سعيد، الرئيس الحالي الذي يسعى إلى ولاية ثانية، وزهير المغزاوي، الأمين العام لحركة الشعب، والعياشي زمال، الذي يقضي عقوبة بالسجن بسبب ما وُصف بـ "مخالفات انتخابية".

تشير التوقعات إلى فوز محتمل للرئيس قيس سعيد بولاية رئاسية ثانية. هذه الانتخابات تعتبر فريدة من نوعها في تاريخ تونس، حتى بالمقارنة مع فترات حكم الرئيسين السابقين، بورقيبة وبن علي. وقد اتخذ قيس سعيد، بمساعدة حلفائه المقربين، خطوات واسعة لضمان إعادة انتخابه.

تجاوزت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، التي تم تعيينها من قبل قيس سعيد، حدود سلطاتها، مما أدى إلى استبعاد عدد كبير من المرشحين، بمن فيهم الشخصيات البارزة. كما امتنعت الهيئة عن تنفيذ قرارات المحكمة الإدارية، وهي الجهة القضائية المختصة بالبت في النزاعات الانتخابية، والتي أمرت بإعادة ثلاثة مرشحين مستبعدين إلى السباق الرئاسي.

في تطور آخر، قام مجلس نواب الشعب، الذي تم انتخابه في عام 2023 بنسبة متدنية بلغت 8% فقط من أصوات الناخبين، بالمصادقة على تعديل للقانون الانتخابي قبل أيام معدودة من يوم الاقتراع. وبموجب هذا التعديل، تم سحب الاختصاص القضائي في النظر والبت في النزاعات الانتخابية من المحكمة الإدارية وإحالته إلى القضاء العدلي.

يضاف إلى ذلك القيود المتزايدة على حرية التعبير التي يتعرض لها المرشحون والناشطون السياسيون والمدنيون وعموم المواطنين التونسيين، وذلك بموجب المرسوم 54 الذي أدى إلى سجن ما لا يقل عن ألف وسبعمائة شخص.

كل هذه الإجراءات والتجاوزات التي شابت العملية الانتخابية، وغيرها، جعلت هذه الانتخابات، في نظر المراقبين والمعارضين لقيس سعيد، تفتقر إلى الحد الأدنى من معايير النزاهة والتعددية والشفافية، مما يجعلها أقرب إلى البيعة أو التزكية "القسرية" للرئيس الحالي أكثر من كونها انتخابات حرة ونزيهة.

انتخابات صامتة

على عكس الانتخابات السابقة التي جرت في العقد الأول من التحول الديمقراطي (2011-2021)، لم تشهد فترة الحملات الانتخابية للمرشحين في هذه "الانتخابات" أي حراك إعلامي أو ميداني أو تواصلي يعكس أهمية الاستحقاق الانتخابي وتحدياته. ويعزى ذلك إلى عدة أسباب:

  • العدد المحدود للمرشحين المتنافسين، حيث لم يتجاوز عددهم ثلاثة، أحدهم يقبع في السجن. وهذا يختلف بشكل كبير عن انتخابات 2019 التي شهدت تنافس ستة وعشرين مرشحًا يمثلون مختلف التيارات السياسية، بالإضافة إلى عدد من المستقلين. ويعود هذا النقص في عدد المرشحين إلى الإجراءات الإقصائية التي اعتمدتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وإلى أجواء الخوف التي فرضتها سلطة قيس سعيد على المرشحين والناخبين على حد سواء.
  • ضعف حجم الإنفاق الانتخابي، الذي حدد سقفه بشكل أحادي المرشح قيس سعيد، بصفته الرئيس الحالي، بمبلغ مائة وخمسين ألف دينار في الدور الأول، ومائة ألف دينار في الدور الثاني. هذه المبالغ تعتبر ضئيلة ولا تسمح بتنظيم حملات دعائية وتحركات ميدانية تليق بأهمية الاستحقاق الانتخابي.
  • ضعف التغطية الإعلامية، نتيجة وضع المؤسسات الإعلامية تحت ضغط المتابعات القضائية والغرامات المالية، بعد أن استولت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات على اختصاص الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) في تحديد القواعد والشروط التي يجب على وسائل الإعلام الالتزام بها خلال الحملة الانتخابية ويوم الاقتراع، بحجة أن لها الولاية العامة على الانتخابات وكل ما يتصل بها.

كما ساهم اعتقال عدد من الإعلاميين وإحالة عدد آخر منهم على القضاء بتهم مختلفة، تتراوح بين التآمر على الأمن الداخلي والخارجي للدولة ومخالفة المرسوم 54 المقيد لحرية التعبير، في إشاعة حالة من الحذر تصل إلى الخوف في أوساط العاملين في الإعلام الرسمي، خاصة بعد تحويله تحت حكم قيس سعيد إلى إعلام رئاسي لا مكان فيه للمعارضة والرأي الآخر، وفي أوساط أصحاب المؤسسات الإعلامية الخاصة التي تم "ترويض" خطها التحريري، وإلغاء البرامج الحوارية السياسية، وطرد بعض الإعلاميين "المشاغبين".

إن عزوف عموم الناخبين عن هذه الانتخابات هو جزء من عزوفهم عن الاهتمام بالشأن العام، وهو عزوف يعكس حالة الإحباط التي يعيشها التونسيون بعد أن خاب أملهم في قيس سعيد الذي نكث بجميع وعوده، وفشل حتى في أن يضمن لهم مستوى المعيشة الذي كانوا يتمتعون به خلال عقد التحول الديمقراطي.

من المرجح أن يؤثر هذا العزوف عن الاهتمام بالمسار الانتخابي الرئاسي على نسبة الإقبال على التصويت اليوم، لتكون مرة أخرى ضعيفة جدًا، كما كانت في جميع الانتخابات التي نظمها قيس سعيد منذ انقلابه في 25 يوليو 2021، خاصة مع إيهام الناخبين بأن إعادة انتخاب قيس سعيد ستكون مضمونة من الدور الأول، حسب ما يروج له أنصاره.

كما يلاحظ غياب العروض السياسية الجادة من قبل المرشحين، باستثناء ما قدمه المرشح السجين العياشي زمال في وثيقته السياسية "الميثاق" من رؤية إيجابية ومقاربات جريئة وصريحة، بعيدًا عن التخوين والتشويه والإقصاء والانقسام التي تميز خطابات المرشحين الآخرين، المغزاوي وسعيد على وجه الخصوص.

فقد نجح المرشح زمال في تقديم معادلة يحتاجها مستقبل تونس، قوامها البناء على مكاسب المراحل السابقة، واقتراح حلول للمشاكل والتحديات التي تواجه تونس، وفق ترتيب محدد للأولويات ومقاربات واقعية قابلة للتطبيق، وتغيير الواقع في أفق زمني محدد.

كما نجح زمال في التحرر من التاريخ السياسي القريب والبعيد بكل أعبائه وعيوبه، والانخراط في المقابل في المستقبل، وهو ما عبر عنه في شعار برنامجه الانتخابي "نقلبو الصفحة"، بما يعني أن نفتح صفحة جديدة لا أن نمزق الكتاب.

نهاية صورة

يمكن تلخيص كل ما يتعلق بهذه الانتخابات، من مقدماتها إلى أطوارها ونتائجها المتوقعة، بأنها ستمثل منعطفًا حاسمًا في المشهد السياسي التونسي، ولحظة فاصلة بين مرحلتين: مرحلة بدا فيها قيس سعيد رئيسًا شعبيًا يتمتع بدعم شعبي وسياسي واسع جدًا، ورمزًا للإصلاح ومكافحة الفساد وتحقيق مطالب الشعب، بما في ذلك المطالب الاقتصادية والاجتماعية، ومرحلة أصبح فيها قيس سعيد مستبدًا معزولًا بدون سند سياسي، وعدوًا للثورة وهادمًا لمكاسب التحول الديمقراطي، وتهديدًا للسلم الاجتماعي والأمن القومي، ليتحول في النهاية إلى عبء على الدولة والمجتمع، ومجرد ظاهرة صوتية لم تغير ولن تغير من واقع التونسيين شيئًا إلا نحو الأسوأ.

بداية حراك

من جانب آخر، مثلت الانتخابات فرصة لإطلاق حراك مواطني وسياسي ومدني هام ومؤثر، ساهم في جر قيس سعيد إلى مربع الانفعال ورد الفعل، مما دفعه إلى ارتكاب العديد من الأخطاء والتجاوزات بميزان القانون والعقل والرأي العام، وإظهاره في صورة المستبد المتمسك بالسلطة والمتعدي على القانون والأخلاق والمغتصب لحق التونسيين في انتخابات حرة، تعددية، نزيهة وشفافة.

كما كان المسار الانتخابي الرئاسي الحالي كفيلاً بإخراج العديد من الناشطين في المجتمعين السياسي والمدني وشرائح واسعة من المواطنين، وخاصة الشباب، من المنطقة الرمادية إلى حالة من اليقين بأن ما قام به قيس سعيد ليلة 25 يوليو/تموز 2021 هو انقلاب كامل الأركان يجب مقاومته وإنهائه حتى لا يذهب أبعد مما ذهب في تغيير شكل الدولة، وتمرير مشروعه الشخصي، وتقويض مكاسب التونسيين، وخاصة الحقوق والحريات.

  • حققت ديناميكية الانتخابات مكاسب هامة في المشهد السياسي العام، لم تنجح العملية السياسية بمختلف أطرافها في تحقيقها على الأقل بنفس القدر طيلة فترة "الانقلاب" (2021-2024). فقد توسع الحزام المعارض لنظام سعيد، الذي قادته طيلة سنتين تقريبًا جبهة الخلاص الوطني، إلى ما هو أوسع من السياسي بإعلان تكوين الشبكة التونسية للحقوق والحريات.
  • المكسب الثاني الذي تحقق ضمن ديناميكية الانتخابات، هو مزيد اختراق حاجز الخوف بعد أن ظن قيس سعيد أنه نجح في فرضه على التونسيين. ويبدو هذا الاختراق واضحًا في تعدد التحركات الاحتجاجية وفي التطور النوعي في الشعارات المرفوعة، ومنها شعار "ارحل" الشهير، وفي رمزية أماكن الاحتجاج، مثل ساحة باردو المقابلة لمقر مجلس نواب الشعب يوم انعقاد الجلسة التي تم فيها تعديل القانون الانتخابي بتجريد المحكمة الإدارية من اختصاصها بالبت في النزاعات الانتخابية، وإحالته إلى القضاء العدلي، قبل أيام قليلة من يوم الاقتراع.

وجاءت خاتمة هذه التحركات الشعبية الهامة يوم الجمعة 4 أكتوبر، عشية يوم الصمت الانتخابي، بمظاهرة جابت أهم شوارع العاصمة تونس، شارك فيها الآلاف حسب بعض التقديرات، من مختلف الأطياف السياسية والمدنية، حيث رفعت شعارات قوية ضد قيس سعيد، منها: "الشعب يريد إسقاط النظام" و"حريات حريات لا رئاسة مدى الحياة" و"لا خوف لا رعب الشارع ملك الشعب".

لا شك أن محطة الانتخابات الرئاسية مثلت لمعارضي قيس سعيد لحظة فارقة ساهمت في تجلية الكثير من الغموض حول حقيقة المشروع السياسي التسلطي لسعيد ومخاطره على تونس والتونسيين، كما ساهمت في تأكيد الحاجة إلى تصليب مقاومته بالنضال السياسي السلمي والمدني، خاصة أن شعبيته، حسب العديد من استطلاعات الرأي غير المنشورة، قد تراجعت إلى أدنى مستوياتها، وأن حظوظه في تدارك ذلك تبدو ضئيلة؛ نظرًا لما أظهره من عدم كفاءة في إدارة الشأن العام، وخاصة أمام تفاقم التحديات.

ستكون الولاية الثانية لقيس سعيد مختلفة تمامًا عن الأولى. فبينما جاءت الأولى من رحم بيئة ديمقراطية وانتخابات حرة ونزيهة وشفافة، جاءت الثانية من رحم بيئة انتخابية تفتقر إلى جميع معايير الانتخابات الديمقراطية.

كان سعيد في الولاية الأولى، في نظر التونسيين، رمزًا للإصلاح، بينما هو في الثانية مستبد فاشل وخطر على الدولة والمجتمع. كان سعيد في الأولى محل إجماع التونسيين بمختلف توجهاتهم، بينما هو في الثانية معزول سياسيًا ومرفوض شعبيًا.

في مقابل تدهور صورة قيس سعيد ودخوله في مسار سلبي، دخلت الساحة السياسية في مسار إيجابي مع بداية تشكل حراك سياسي ومدني مهم، حقق خطوات هامة، وما زال أمامه استكمالها حتى تنضج حالة سياسية معارضة لقيس سعيد، قادرة على حشد الشارع وتحقيق التغيير المنشود.

يبقى أمام هذا الحراك، بمختلف أطيافه السياسية والمدنية والمواطنية، بناء ثقافة سياسية بديلة عبر كسر جميع القيود والحلقات المفرغة التي حاصرت العملية السياسية في عقد التحول الديمقراطي وما بعده، بما في ذلك المواقف المتطرفة والإقصاء والجمود والصراعات الأيديولوجية.

يبدو جليًا أن تونس في أمس الحاجة إلى عرض سياسي جديد بديل عن مشروع قيس سعيد ومتطور عما قبل 25 يوليو 2021، يقوم على ثقافة سياسية جديدة قوامها الديمقراطية والاعتراف المتبادل بين الجميع، والمزاوجة بين التنمية والديمقراطية.

سيكون حراك المعارضة هو الرابح، حتى وإن نجح قيس سعيد في الفوز بولاية ثانية. وسيكون قيس سعيد رئيسًا ضعيفًا منزوع الشرعية والمشروعية سياسيًا وأخلاقيًا وبدون رؤية مستقبلية، مما سيدفعه إلى ارتكاب المزيد من الأخطاء، وبالتالي إلى مزيد من الفشل حتى يستنفد رصيده بالكامل. أمام المعارضة أفق واسع وفرصة تاريخية لتحقيق التغيير المنشود من خلال البناء على المكاسب التي تحققت خلال العملية الانتخابية وما قبلها.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة